فصل: الدلالة العلمية للآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



بحث آخر: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا}:

بقلم: د. زغلول النجار:
هذه الآية الكريمة جاءت في أول الثلث الثاني من سورة النبأ.
وهي سورة مكية.
وآياتها أربعون.
وقد سميت بهذا الاسم لأن محورها الرئيسي يدور حول يوم القيامة الذي سماه الحق تبارك وتعالى باسم {النبأ العظيم} وباسم {يوم الفصل} لما سوف يصاحبه من أهوال تدمير الكون وتبديله، وبعث الأنفس بعد وفاتها، والفصل بين الناس فيما عملوا في الحياة الدنيا، وهو يوم يختلف فيه الناس بين مؤمن به وكافر، ومصدق به ومكذب لأنه من امور الغيب المطلق الذي لاسبيل أمام الانسان لمعرفته الا ببيان من الله الخالق سبحانه وتعالى، بيانا ربانيا خالصا لايداخله أدنى قدر من التصورات البشرية، لأن مثل هذه الغيوب المطلقة اذا تركت لتصورات الانسان القاصرة فانه يضل فيها ضلالا بعيدا...!!
وتبدأ سورة النبأ بهذا الاستفهام الاستنكاري، التوبيخي التقريعي للمكذبين بيوم الدين من الكفار والمشركين والمتشككين الذي يقول الحق تبارك وتعالى فيه:
{عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون} (النبأ: 1- 5).
وبعد ذلك تستعرض السورة الكريمة عددا من الآيات الكونية الدالة على طلاقة القدرة الالهية المبدعة في الخلق للاستدلال بها على أن الخالق المبدع قادر على إفناء خلقه، وعلى إعادة بعثه من جديد، ومن ثم فقد قرر لذلك البعث يوما محددا بأجل ثابت لايعلمه إلا الله تعالى، وخصصه للفصل بين الخلائق، وحذر من أهوال ذلك اليوم التي تصف السورة جانبا منها يقول فيه ربنا تبارك وتعالى:
{إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت ابوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا} (النبأ: 17- 20).
وتؤكد الآيات في سورة النبأ حقيقة كل من الجنة والنار، وتصف احوال أهل كل من هاتين الدارين الأبديتين مؤكدة ان النار تترصد الظالمين من الكفرة والمشركين، المخالفين لدين الله، والمحاربين لأوليائه من المردة العصاة المتجبرين على خلقه؛ من أمثال الصهاينة المجرمين المحتلين لأرض فلسطين، والمتجبرين على أهلها من المدنيين العزل الآمنين، وأعوان الصهاينة من الأمريكان والبريطانيين الخونة المتآمرين، والظلمة المتغطرسين، ومن شابههم من اصحاب الديانات الباطلة، والملل الفاسدة من الهندوس والبوذيين.
وتصف الآيات جانبا مما سوف يلقاه أهل النار في النار جزاء انكارهم للحساب، وتكذيبهم بآيات الله الذي أحصي عليهم كل كلمة وحركة، وسكنة، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
{إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لايذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا إنهم كانوا لايرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شئ أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا} (النبأ: 21- 30).
وفي المقابل تصف سورة النبأ جانبا من أحوال المتقين في الجنة فتقول:
{ان للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لايسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا}. (النبأ: 31- 36).
وتختتم السورة الكريمة باستعراض جانب من جوانب عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وتعاود التأكيد على حقيقة الآخرة، وتدعو الخلق إلى الاستعداد لها، وتنذرهم عواقبها، ودقة حسابها وندم الكافرين فيها فتقول:
{رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لايتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ماقدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا} (النبأ: 37- 40).
والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة النبأ تشمل ما يلي:
(1) الإشارة إلى تمهيد الأرض.
(2) وصف الجبال بأنها أوتاد.
(3) التأكيد على أهمية الزوجية في خلق الانسان.
(4) الإشارة إلى أن النوم راحة وسكون، وأن الليل ستر يغشي الناس بظلمته، وان النهار بنوره قد خصص للجري على المعايش.
(5) التأكيد على أن السماوات سبع شداد.
(6) وصف الشمس بأنها سراج وهاج.
(7) الإشارة إلى إنزال الله تعالى المطر الغزير من المعصرات وهي السحب المليئة بقطيرات الماء.
(8) الإشارة إلى اخراج الحب والنبات والجنات الملتفات الأغصان بعد انزال مطر السماء باذن الله.
(9) التأكيد على حقيقة البعث.
(10) التأكيد على أن السماء بناء محكم لاينهار إلا بإذن الله فإذا أمر تفصم عراها، وتفتتح ابواب عديدة فيها:
(11) التأكيد على أن الجبال سوف تنسف وتسير يوم القيامة حتي تصير سرابا.
(12) الإشارة إلى إن الله تعالى يحصي كل شئ، ويحفظه ليوم الحساب.
(13) الإشارة إلى مابين السماوات والأرض، وهو الجزء السفلي من الغلاف الغازي المحيط بالأرض والحاوي للسحاب، مما يؤكد على مركزية الأرض بالنسبة للكون.
وكل قضية من هذه القضايا تستحق معالجة خاصة في مقال مستقل، ولذلك فسوف اركز هنا على النقطة السابعة فقط من القائمة السابقة، وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين السابقين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة.
من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا} النبأ: 14 ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه: قال ابن عباس: {المعصرات}: الرياح، تستدر المطر من السحاب... وهو قول عكرمة والضحاك والحسن والربيع بن أنس والثوري، واختاره ابن جرير وهو الأظهر....
وقال الفراء: هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد....، وعن الحسن وقتاده: {من المعصرات} يعني السماوات وهذا قول غريب، والأظهر ان المراد بالمعصرات السحاب، كما قال تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله} أي من بينه، وقوله جل وعلا: {ماء ثجاجا} قال مجاهد: {ثجاجا}: منصبا، وقال الثوري: متتابعا، وقال ابن زيد: كثيرا، قال ابن جرير: ولايعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج، وإنما الثج الصب المتتابع... وجاء في كل من تفسير الجلالين والظلال رحم الله كاتبيهما كلام مختصر مشابه لما جاء في تفسير ابن كثير.
وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن رحمه الله برحمته الواسعة ما نصه:
{من المعصرات} من السحائب التي قد آن لها ان تمطر لامتلائها بالماء. أو التي تتحلب بالمطر قليلا، ولما تصبه صبا. جمع معصر، {ماء ثجاجا} منصبا بكثرة.. ومطر ثجاج: شديد الانصباب جدا...
وذكر كل من اصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم وصاحب صفوة التفاسير كلاما مشابها كذلك.
وذكر الراغب الأصفهاني رحمه الله رحمة واسعة في معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم ما نصه: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا} أي السحائب التي تعتصر بالمطر أي تصب، وقيل: التي تأتي بالاعصار، والاعصار ريح تثير الغبار، قال: {فأصابها اعصار}...
وجاء في مختار الصحاح رحم الله كاتبه ومراجعيه رحمة واسعة ما نصه:... و(العصر) بفتحتين الغبار وهو في الحديث...... و(الأعصار) ريح تثير الغبار فيرتفع إلى السماء كأنه عمود ومنه قوله تعالى: {فأصابها إعصار} وقيل هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق..

.الدلالة العلمية للآية الكريمة:

من المعاني اللغوية للفظة {المعصرات} انها السحائب المشبعة ببخار الماء وقطيراته، وهي عادة سحب طباقية وركامية عملاقة، تكونها بتدبير من الله تعالى الأعاصير والزوابع الشديدة، وتتميز بغزارة امطارها التي تصبها صبا فتهطل مئات الملليمترات من الماء في ساعات معدودة ويصحب نزول المطر تكون كل من البرد والثلج، وشيوع ظاهرتي البرق والرعد، وقد سماها القرآن الكريم بالمعصرات، وسمي الريح التي تحملها باسم الريح العاصف اذا كانت متوسطة الشدة، وباسم الريح القاصف اذا كانت بالغة الشدة.
ويقسم علماء الأرصاد الجوية الرياح حسب شدتها على ارتفاع عشرة أمتار فوق مستوي سطح الأرض إلى اثنتي عشرة درجة على النحو التالي الذي تقابله مسميات قرأنية اكثر دقة:
وواضح الأمر ان كلا من الريح العاصف والريح القاصف له دور رئيسي في تكوين المعصرات حسب أرادة الله تعالى ومشيئته.
تعريف الأعاصير:
الأعاصير (Hurricanes، cyclones، tropicalcyclonesortyphoons) هي عواصف هوائية دوارة حلزونية عنيفة، تنشأ عادة فوق البحار الاستوائية، خاصة في فصلي الصيف والخريف ولذا تعرف باسم الأعاصير الاستوائية أو المدارية أو الأعاصير الحلزونية لأن الهواء البارد (ذي الضغط المرتفع) يدور فيها حول مركز ساكن من الهواء الدافئ (ذي الضغط المنخفض)، ثم تندفع هذه العاصفة في اتجاه اليابسة فتفقد من سرعاتها بالاحتكاك مع سطح الأرض، ولكنها تظل تتحرك بسرعات تزيد عن 72 ميلا في الساعة وقد تصل إلى اكثر من 180 ميلا في الساعة (أي إلى اكثر من 300 كيلو متر في الساعة تقريبا) ويصل قطر الدوامة الواحدة إلى 500 كيلو متر، وقطر عينها إلى 40 كيلو مترا وقد تستمر لعدة أيام إلى أسبوعين متتاليين.
ويصاحبها تكون كل من السحب الطباقية والركامية إلى ارتفاع 15 كيلو مترا ويتحرك الاعصار في خطوط مستقيمة أو منحنية فيسبب دمارا هائلا على اليابسة بسبب سرعته الكبيرة الخاطفة، ومصاحبته بالأمطار الغزيرة والفيضانات والسيول بالاضافة إلى ظاهرتي البرق والرعد، كما قد يتسبب الاعصار في ارتفاع امواج البحر إلى حد اغراق أعداد من السفن فيه.
والأعاصير تدور في نصف الكرة الشمالي في عكس اتجاه عقارب الساعة، وتدور في نصفها الجنوبي مع عقارب الساعة وتنشأ بين خطي عرض 5 و20 شمال وجنوب خط الاستواء، حيث تصل درجة حرارة سطح الماء في بحار ومحيطات تلك المناطق إلى 27 درجة مئوية في المتوسط..
وتتحرك عادة من منخفضات استوائية دافئة بسرعات أقل من 39 ميلا بالساعة، ثم تزداد سرعاتها بالتدريج حتي تتعدي 72 ميلا بالساعة، فتصل إلى أكثر من 180 ميلا بالساعة، وعند هذا الحد فانها تسمي باسم الأعاصير العملاقة:
(Super-HurricanesorMegastorms).
ومثل هذه الأعاصير العملاقة تضرب شواطئ كل من امريكا الشمالية والجنوبية، وافريقيا الجنوبية، وخليج البنغال، وبحر الصين، وجزر الفلبين، واندونيسيا، والملايو في حدود ثمانين مرة في السنة، وتجمع تحت مسمي الأعاصير الاستوائية (TropicalCyclones)،
أما الأعاصير الحلزونية فيهب منها سنويا بصفة عامة بين 30، و150 اعصارا فوق البحار الدافئة ويصل طول الواحد منها إلى 1500 كيلو متر، وتقدر قوته التدميرية بقوة قنبلة نووية متوسطة الحجم.
والأعاصير التي تضرب شواطئ الأمريكتين تسمي باسماء خاصة من مثل إعصار أندروم (AndrewCyclone).
وإعصار هوجو (HugoCyclone).
إعصار كاميل (CamilleCyclone)،
واعصار فلويد (FloyedCyclone)،
هكذا، والإعصار الأخير ضرب الشواطئ الشرقية لأمريكا الشمالية في 1999/9/8 م بحجم تجاوز مئات الكيلو مترات المكعبة، وبسرعة بلغت 250 كيلو مترا في الساعة فأدي إلى هجرة ثلاثة ملايين فرد من سكان تلك الشواطئ الذين فروا مفزوعين في طابور من السيارات بلغ طوله 320 كيلو مترا، وهدد هذا الإعصار قاعدة كيب كينيدي لاطلاق صواريخ الفضاء التي شددت الحراسة عليها خوفا من تدمير قواعد إطلاق الصواريخ والمركبات الفضائية المخزونة في عنابرها والتي تكلفت الواحدة منها اكثر من بليوني دولار امريكي، ولولا ان الاعصار تجاوز ولاية فلوريدا متوجها شمالا إلى ولاية شمال كارولينا لحدثت كارثة حقيقية في تلك المنطقة، وليس ذلك على الله بعزيز.
وقد صاحب اعصار فلويد هذا هطول امطار مدمرة على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وقد تركت تلك الأمطار اكثر من خمسين قتيلا ومئات الجرحي، وقد تعلق آلاف الأفراد باغصان الأشجار، وأسطح المنازل خوفا من الغرق، كما ارتفعت الأمواج في البحار المجاورة لأكثر من عشرين مترا مما هدد الكثير من المنشآت والزوارق البحرية والسفن بالغرق.
كيف يتكون الاعصار؟:
عندما يسخن الماء في البحار الاستوائية إلى درجة حرارة تتراوح بين 30، 27 درجة مئوية فانه يعمل على تسخين طبقة الهواء الملاصقة له، وبتسخينها يخف ضغط الهواء فيتمدد ويرتفع إلى أعلى ويكون منطقة ضغط منخفض تنجذب اليها الرياح من مناطق الضغط المرتفع المحيطة فتهب عليها من كل اتجاه مما يؤدي إلى تبخر الماء بكثرة وارتفاع هذا البخار الخفيف إلى أعلى وسط الهواء البارد فتحمله الرياح التي يصرفها الله تعالى حسب مشيئته، وتزجيه أي تدفعه ببطء، وتؤلف بينه، وترفعه إلى أعلى في عملية ركم مستمرة تؤدي إلى زيادة رفعه إلى أعلى، وزيادة شحنه بمزيد من بخار الماء الذي يبدأ في التكثف والتبرد فتتكون منه قطرات الماء الشديدة البرودة، وكل من حبيبات البرد وبلورات الثلج، وبمجرد توقف عملية الركم يبدأ المطر في الهطول باذن الله بالقدر المحسوب في المكان المكتوب.
وقد يصاحب هذا الهطول العواصف البرقية والرعدية، والسيول ونزول كل من البرد والثلج. ومع مزيد من هذا التكثف لبخار الماء ينطلق قدر من الحرارة يزيد من انخفاض ضغط الهواء مما يشجع على مزيد من الأمطار، وبتكرار تلك العمليات يزداد حجم منطقة الضغط المنخفض فوق البحار الاستوائية، وبزيادة حجمها يزداد حصرها بين مناطق باردة ذات ضغط مرتفع، مما يزيد الفرص أمام تكون السحب، وإزجائها، والتأليف بينها، وركمها، وبالتالي يزيد من شحنها ببخار الماء. ومن امكانية انزالها المطر الدافق باذن الله (أي تكون المعصرات).
وتأثرا بدوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق أمام الشمس، تبدأ الكتل الهوائية ذات العواصف الرعدية والبرقية في الدوران بعكس اتجاه عقرب الساعة في نصف الكرة الشمالي، ومع عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي، وفي هذا الدوران تحدث عاصفة هوائية شديدة السرعة تعرف باسم العاصفة الاستوائية أو العاصفة المدارية، أو الاعصار الاستوائي (أو المداري) البحري أو باسم الاعصار الحلزوني المداري (TropicalCyclone).
وتأخذ هذه العاصفة في تزايد السرعة إلى 120 كيلو مترا في الساعة، فتصبح إعصارا حقيقيا له قلب ساكن من الهواء الساخن يسمي عين الإعصار تتراوح سرعة الرياح فيه بين الصفر واربعين كيلو مترا في الساعة، وتدور حول عين الإعصار دوامات من العواصف الرعدية المدمرة والمصاحبة بتكون السحاب الثقال المليئة ببخار الماء وقطراته (المعصرات) وبتكون كل من البرد والثلج، وهطول الأمطار المغرقة وحدوث البرق والرعد.
من ذلك يتضح أن تسخين ماء البحار والمحيطات يلعب دورا اساسيا في تكوين كل من الأعاصير والمعصرات بإذن الله، ولكن تسخين الماء وحده لا يكفي لو لم يصرف الله الرياح مواتية لإتمام تلك العملية، ومن هنا كان الاستنتاج المنطقي أن العواصف الرعدية وما يصاحبها من سحب غنية ببخار الماء وقطيراته (المعصرات) كغيرها من ظواهر الكون وسننه هي من صنع الله، ومن جنده.
ومن هنا أيضا كانت الدورات المناخية التي تكون كلا من ظاهرة النينو (El-Nino).
التي تدفئ ماء المحيط الهادي، واللانينا (LaNina).
التي تبرده من العوامل التي تلعب دورا مهما في عملية تكون الاعاصير، وداخلة ايضا في زمرة جند الله التي يسلطها على من يشاء من عباده، انتقاما من الظالمين، وابتلاء للصالحين، وعبرة للناجين.
وظاهرة النينو هي ظاهرة مناخية تجتاح بحار ومحيطات نصف الأرض الجنوبي بطريقة دورية، وعلى فترات متتابعة مدة كل منها ثمانية عشر شهرا تهيمن خلالها هذه الظاهرة على المحيطين الهادي والهندي فتبدأ بتسخين الطبقة العليا من ماء هذين المحيطين خاصة إلى الغرب من شواطئ أمريكا الجنوبية مما يؤدي إلى سيادة الجفاف في بعض المناطق، وتكون دوامات هوائية وأعاصير مدمرة في مناطق اخري مثل حوض الامازون، استراليا، الجزر الإندونيسية والماليزية وغيرها. ويعين على ذلك هبوب رياح شرقية ضعيفة، ورياح غربية قوية.
أما ظاهرة لأنينا فإنها تحدث أثرا معاكسا حيث يتكون فيها نطاق من الهواء الساكن بين حزامين من كتل الهواء النشطة مما يعين على تشكل الاعاصير المصاحبة بالعواصف الرعدية الممطرة.
وباستمرار زيادة معدلات التلوث في بيئة الأرض، ترتفع درجة حرارة الطبقة الدنيا من غلافها الغازي، وبارتفاعها تزداد فرص تكون الاعاصير البرقية والرعدية الممطرة زيادة كبيرة في العدد، وفي الشدة والعنف مما يتهدد أكثر مناطق الأرض عمرانا بالدمار الشامل من مثل كل من أمريكا الشمالية والجنوبية، استراليا، وجزر المحيطين الهادي والهندي.
فهذه الاعاصير تصل سرعتها إلى 320 كيلو مترا في الساعة، فتحرك الماء في البحر والمحيطات إلى عمق 180 مترا، محدثة جدارا من الماء يزيد ارتفاعه على عشرة أمتار يندفع إلى المدن الساحلية، ويعمل على تدميرها، كما حدث لجزيرة (الدومينيكان) في البحر الكاريبي بواسطة إعصاري (ديفيد) و(فريدريك).
DavidandFrederickcyclones في أغسطس سنة 1979 م. وبإعصار ألن (Allencyclone).
في سنة 1980 م مما أدي إلى تدمير 80 من المساكن، وتشريد أكثر من 75 من سكان تلك الجزيرة.
وكما حدث للعديد من جزر أمريكا الوسطي الأخري من مثل جزيرتي الترك وكيكوس (TurksandCaicos).
واللتين دمرتا تدميرا كاملا بواسطة إعصار كيت (HurricaneKate).
الذي ضرب الجزيرتين في سنة 1985 م.
ومن مثل الأعاصير التي ضربت وسط فيتنام سنة 1985 م وأدت إلى مقتل 875 شخصا، وتدمير نحو الخمسين الف مسكن تدميرا كاملا، وإلي الإضرار بأكثر من 230، 000 بيت وبعدد من البنيات الاساسية.
وقد أغرفت الأمطار مساحات شاسعة من بوليفيا حين ظلت تهطل بغزارة لمدة سبعة شهور متواصلة تقريبا في الفترة من أكتوبر 1985 م إلى ابريل 1986 م على المنطقة حول بحيرة تيتيكاكا (Titicaca) مما أدي إلى رفع منسوب الماء في البحيرة بثلاثة امتار، وإلي إغراق أكثر من عشرة آلاف هكتار من المزروعات، وإلي تدمير أكثر من 5، 000 منزل وتشريد أكثر من 25، 000 نسمة.
كذلك أغرقت فيضانات سنة 1988 م ثلاثة أرباع مساحة بنجلادش فدمرت 3، 6 مليون مسكن، وشردت 25 مليون نسمة، وقضت على اغلب المحاصيل الزراعية وأتلفت العديد من البنيات الاساسية، وأغرق إعصار ميتش أرض هندوراس في سنة 1998 م بفيضانات وسيول مدمرة قتلت اكثر من 5500 نفس وشردت عشرات الآلاف.
كيف تتكون الزوابع؟
تعرف الزوابع أو الدوامات الهوائية الممطرة باسم الخلايا الرعدية العملاقة:
(GiantThunderstormCellsMesocyclonicorupdraftSupercells).
وهي عواصف رعدية عنيفة دوارة تحدث فوق اليابسة نتيجة لالتقاء كتل هوائية متباينة في درجات حرارتها (باردة وساخنة) وتكون مصاحبة بالأمطار الغزيرة القصيرة (الثج) وسقوط البرد بحبات كبيرة.
وتضرب الولايات المتحدة الأمريكية سنويا أكثر من ثمانمائة دوامة هوائية تمتد من تكساس في الجنوب إلى حدود كندا شمالا، ويسمي هذا الحزام من الدوامات الهوائية باسم ممر الزوابع (TheTornadoValley).
ويهلك فيه سنويا عشرات من الضحايا، ويحدث تدميرا كبيرا في المزارع والمنشآت والبنيات الأساسية، كما تضرب كلا من أستراليا وروسيا أعداد مماثلة من تلك الدوامات الهوائية المدمرة.
وسرعة هذه الدوامات الهوائية تتراوح من 150 إلى 340 كيلو مترا في الثانية لتصل إلى سرعة الصوت، ويبلغ قطر الدوامة نحو مائة متر، ويصل الضغط الجوي بداخلها إلى عشر الضغط الجوي، وعندما يقترب مثل هذا الإعصار من أي مبني فإن التفريغ الناتج عن الفارق في الضغط بين داخل الأعصار، وداخل المبني يؤدي إلى تهدم أسقف ذلك المبني وجدرانه مع حدوث انفجارات مدمرة، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى اقتلاع الأشجار، ورفع كل من السيارات وعربات القطار إلى مرتفعات شاهقة، وسقوطها من عل وتدميرها، وتحطيم كل ما تقع عليه، وذلك بواسطة العديد من الدوامات الشديدة بداخل الإعصار تعرف باسم نقاط الشفط (Suctionpoints).
وتصاحب مثل هذه الأعاصير الحلزونية (أو القمعية) عادة بسقوط الأمطار الغزيرة، وبحدوث البرق والرعد القاصف الذي يشبه صوته صوت الطائرات النفاثة لشدته، وإذا تحرك هذا الإعصار من اليابسة إلى أي سطح مائي، فإنه يرفع الماء إلى أعلى على هيئة نافورات عملاقة تدمر ما تصطدم به من سفن، وقد تؤدي إلى إغراقها.
وتحدث هذه الأعاصير غالبا في أوقات المساء من كل من فصلي الربيع والصيف خاصة في المناطق المدارية من نصف الكرة الشمالي، ويعينها على اثارة السحب المثقلة ببخار الماء وقطراته (المعصرات) ما تثيره من هباءات الغبار التي تعمل كنوي جيدة للتكثف، فتعين على شحن السحب بقطيرات الماء، وعلى نمو تلك القطيرات إلى أحجام كبيرة نسبيا.
كيف تحدث الصواعق؟
ثبت علميا أن قطرات الماء تكتسب شحنات كهربية موجبة عند تجمدها على هيئة حبات البرد أو بلورات الثلج، وكذلك عند انصهارها من كل من البرد والثلج إلى حالة الماء السائل، وعند تفتتها إلى قطيرات أدق أو تجمعها على هيئة قطرات أكبر، وعند تبخيرها، وعند تكثفها أي عند كل تغير من حالة إلى حالة أخري من الصلابة والسيولة، والحالة الغازية، ويبقي الهواء المحيط بهذا الماء في أشكاله المختلفة مكتسبا شحنات كهربية سالبة، ولذلك فإن السحب تشحن بالكهرباء باحتكاكها بالهواء المشحون بها، وتتجمع الشحنات الموجبة على أعلى السحابة وأسفلها حيث تتدني درجة الحرارة إلى ما بين عشر درجات وأربعين درجة مئوية تحت الصفر، بينما تتركز الشحنات السالبة في وسط السحابة حيث تصل درجة الحرارة إلى الصفر المئوي.
وعندما يحدث التفريغ الكهربي بين منطقتين مختلفتي الشحنة في داخل السحابة الواحدة، أو بين سحابتين متجاورتين يصل الفرق في الجهد الكهربي بينهما حدا معينا يحدث البرق على هيئة شرارات كهربائية تنتشر في مساحة كبيرة من السماء الدنيا، وقد يحدث هذا التفريغ الكهربي بين السحابة والهواء المحيط بها، وقد يحدث بين السحب والأرض وما عليها من مبان عالية أو أشجار، وتسمي هذه الظاهرة، بالصاعقة لما تحدثه من دمار كبير، ولمنع حدوث الآثار التدميرية للصواعق تثبت قضبان معدنية في أعالي المنشآت، وتوصل بالأرض عبر موصل جيد من الأسلاك المعدنية يحمل الشحنة الكهربائية الناتجة عن حدوث البرق إلى الأرض مباشرة دون أن تصيب المنشآت بأية أضرار، وتعرف هذه الشبكة من القضبان المعدنية الموصلة بالأرض باسم مانعات الصواعق.
وعندما تحدث ظاهرة البرق، ويتم التفريغ الكهربي في الجو، فإن ومضات البرق المتقاربة يصل طول الواحدة منها إلى الميل وتتفاوت فترات ومضها بين 0002، ثانية وثانية واحدة، ونتيجة لحدوث البرق يتمدد الهواء بصورة فجائية، فيندفع الهواء المجاور ليحل محله محدثا أصواتا شديدة هي الرعد الذي قد تستمر الموجة الواحدة منه إلى عدة ثوان، ويصاحب حدوث العواصف الرعدية عادة سقوط أمطار ذات قطرات كبيرة، وقد تصاحب بحبات البرد وبللورات الثلج التي قد تصل إلى الأرض متجمدة، وقد تنصهر إلى قطرات مائية كبيرة قبل وصولها إلى الأرض.
من هذا الاستعراض يتضح بجلاء أن المعصرات هي مجموعة من السحب الطباقية والركامية التي تشحن شحنا كبيرا ببخار الماء وقطراته، والتي تحدثها الأعاصير المدارية التي تتكون فوق مساحات شاسعة من الماء في البحار والمحيطات أو الدوامات الهوائية التي تتكون فوق اليابسة على هيئة سحب طباقية أو تساق ببطء حتي تتآلف وتتجمع، ثم تركم إلى أعلى لتكون السحب الركامية التي ترتفع إلى ما يزيد على 15 كيلو مترا، فتعين البرودة الشديدة على تكون كل من البرد والثلج، واللذان يتحركان في داخل السحابة بفعل التيارات الهوائية صعودا وهبوطا، وتجمدا وانصهارا، فيتولد كل من البرق والرعد اللذين يزيدان بدورهما من تحرك الكتل الهوائية ويعينان على مزيد من توفر بخار الماء وقطيراته، والتي تجعل هذه السحب الطباقية والركامية المشبعة بالماء (المعصرات) مهيأة لاسقاط المطر الغزيرة (الثجاج) والذي قد يستمر في السقوط إلى عدة ايام دون انقطاع.
فسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق:
وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا *.(النبأ 14).
أنزلها على نبي أمي صلى الله عليه وسلم، وفي بيئة صحراوية لم تشاهد شيئا من تلك المعصرات، ولا ما يحركها من العواصف والأعاصير والدوامات الهوائية الممطرة، وذلك لندرة سقوط الامطار في تلك البيئات، ولبعدها عن المساحات المائية الشاسعة من البحار المفتوحة والمحيطات، وإن دلت هذه الدقة العلمية المبهرة التي صيغت بها هذه الآية القرآنية الكريمة على شيء فإنها تنطق بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، وتشهد بالنبوة والرسالة لسيدنا محمد صلي الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، وعلى كل من تبع هداه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين. اهـ..